الأربعاء، 11 أغسطس 2010

تكست - العدد الخامس - القصة القصيرة و شروطها الفنية - صبيحة شبر


القصة القصيرة وشروطها الفنية

صبيحة شبر *

القصة القصيرة حكاية أدبية ذات فكرة ، تعالج موضوعا واحدا أو موقفا معينا من مواقف الحياة ، تتضمن حدثا تتناوله بتكثيف ، وتكون القصة القصيرة بصفحات محددة وقد تكون في سطر واحد ، وليس من مهام القاصين عرض البيئات المختلفة وإبراز تأثيرها على أبطال القصة وشخوصها ، إنما يعمد القاص الى إيجاز لحظة معينة من لحظات الحياة تتضمن حدثا ذا دلالة..

ويختلف منهج كتابة القصة القصيرة ،حسب اختلاف كتابها وتنوع ثقافاتهم، وتمايز اهتماماتهم ،و تباين توجهاتهم الفكرية ، من الكتاب من يركز على الشخصية ومنهم من يولي الحادثة اهتمامه الأكبر، ومنهم من يهتم بالجانب النفسي، وبعضهم يجتهد لإبراز فكرة معينة، ساعيا إلى العناية بإلباس القيم والمبادئ الإنسانية أثوابها الجميلة

أصل القصة القصيرة

للقصة القصيرة أصلان أولاهما عربي، يتمثل في السير والمقامات والحكايات والحكايا ،التي انبثقت عنها الأمثال، والخرافات والأساطير وهي كثيرة في أدبنا العربي ، والأصل الثاني تأثر العرب بالأدب الأجنبي، وانتقال هذا الأدب إليهم عن طريق الترجمة ، أو سفر بعض الكتاب الى بلدان أوربية ،والاطلاع على الحركة الأدبية فيها ، ومحاولة نقل التأثر بتلك الحضارة الى العرب بقصصهم القصيرة ،مع الحرص على تناول القضايا العربية، وإبراز البيئة الإنسانية التي نشأ فيها الأديب، لأن الإنسان ابن البيئة كما يقول علم الاجتماع.




بدأت القصة العربية تقليدا للأدب الغربي، ونسجا على منواله، وتقريرا لأحداث واقعية ، وشكوى من ظلم وحرمان من حقوق ، وكانت البداية وعظا وحكايات للنصح والإرشاد، لا فنية فيها ، وبمرور الزمن والاطلاع على روائع القصص الغربية، والدراسة المتخصصة للآداب، استطاع الكاتب العربي أن ينجح في كتابة القصص القصيرة الجميلة، التي يمكن أن تضاهي ما كتبه الأديب الغربي وقد تتفوق عليه ،لان الأدب الجميل تعبير عن الواقع ،ومحاولة تغيير الجوانب السلبية فيه، الى حياة أكثر إشراقا واقرب مدعاة الى البهجة ، استطاعت القصة القصيرة في منطقتنا العربية، أن تصبح أكثر الأجناس الأدبية انتشارا ، بحكم طبيعة العصر الداعي إلى السرعة، أو اقتداء بالعالم المتحضر الذي يولي هذا الجنس الأدبي اهتمامه الكبير ، ووجدت في الصحافة مشجعا كبيرا ،على انتشار هذا الفن، كما ان عالم الانترنت المتطور أضاف القدرة على الانتشار في بقاع كثيرة من العالم ، وبحركة الترجمة استطاعت قصتنا أن تقرأ في دول كثيرة ، كما اطلعنا على أمهات القصص العالمية ، فصقل القاصون خبرتهم في هذا الميدان، واكتسبوا تجربة طويلة، جعلت قصصهم ناجحة من الناحيتين الفنية والمعنوية .

اختلاف الأنواع والاسم واحد

القصة تختلف عن الرواية، مع إن اللونين قص، تتوفر فيه شروط معينة مثل الفكرة والحدث والشخصية والبيئة ،إلا إن القصة لها أنواع متعددة ، تجتمع كلها في العناية بفن القص، والقصة تختلف عن القصة القصيرة، في إن الأخيرة تعتني بالتكثيف، والتعبير عن لحظة من لحظات الحياة، وذات شخصية واحدة غالبا ، وهناك لون آخر ظهر حديثا ،وهو القصة القصيرة جدا، ولا يتجاوز طولها الصفحة الواحدة ، وقد تكون سطرين أو سطرا واحدا ،وتتميز بكل مميزات القصة ،مع العناية بالتكثيف والإيحاء والحذف والترميز ، وهذا اللون له كتاب كثيرون .ولقد أجمع نقاد فن القصة: انه أصعب الأجناس القصصية ، وانه رغم كثرة المجموعات، التي صدرت ورقيا والكترونيا في هذا الجنس ، إلا أن النجاح قد حالف عددا محدودا من القصص ،مما يدل إن المجموعة التي تتضمن قصتين ناجحتين، تمنح شهادة في تميز كاتبها، وتفوقه على أقرانه في كتابة هذا الجنس العسير جدا ، والذي لا يجيده إلا القليلون ، ورغم صعوبة كتابة القصة ، إلا إن الكثير من الكتاب، يتراءى لهم أنهم قادرون على ولوج هذا الجنس الصعب ، فتأتي كتاباتهم قريبة من الخاطرة ، بعيدة عن القصة ، لأنها لا تتوفر على عناصرها الضرورية ، والتي لا يمكن ان نطلق لفظة القصة القصيرة ،إن انعدمت تلك الشروط في أحد النصوص ، ولعل غياب النقد الأدبي المنصف، أو قلته هو أحد الأسباب ،التي أدت إلى إغراء كتاب كثيرين، في محاولة كتابة هذا الجنس ، ولم يكتب لمحاولاتهم النجاح ، كما إن روح العصر الملائمة لهذا الفن ، والرغبة في التعبير عن المعاناة الإنسانية ، من ضمن العوامل التي جعلت بعض الكتاب يستسهل التجريب في هذا اللون..

حداثة القصة القصيرة

والقصة القصيرة بشروطها الفنية المعروفة ،حديثة النشأة ، فقد ظهرت في أمريكا على يد ادغار ألن بو في القرن التاسع عشر ، وفي نفس القرن ظهرت قصص ( جوجول ) القصيرة والتي قال عنها أديب الواقعية (مكسيم جوركي) :" كلنا خرجنا من معطف جوجول "، وجاء موباسان لتتقدّم القصة القصيرة على يديه.

وكانت القصة القصيرة في بدايتها، تعبير عن شخصية كاتبها ، ثم تطورت ، وأصبحنا نجد شخصيات متنوعة، تتصرف بحرية واسعة ، ولا يرغب كاتبها في تقييد حركاتها وجعلها تتحدث بلسانه ، أصبح سلوك الشخصيات يتماشى مع الظروف البيئية التي وجدت فيها ، والقصة ليست سيرة للكاتب كما إنها ليست بعيدة عنه تماما ، وفي كل قصة جزء من الكاتب كما يقول النقاد ، إذ أن الكتابة ينبغي ان تنطلق عن تجربة أدبية ، وهذه التجربة ليست شرطا أن الأديب قد عاشها بنفسه ، إذ قد يكون قرأها في كتاب ،أو سمعها من صديق او قريب ، لهذا تضيف لنا القراءة تجارب عديدة، يمكن ان تساعدنا في الكتابة وكأننا قد عشنا حيوات متعددة في عمرنا الزمني القصير ، ولكن رغم تطور المتلقي، فان الكاتب العربي ما زال يتهم عندنا: انه يعبر عن حياته الشخصية، وتجاربه الذاتية إن كتب بجرأة عن بعض الأمور ، ويقوى هذا الاتهام ان كانت الكاتبة امرأة ، ، فان السهام توجه لها إن حاولت الخروج على المسكوت عنه، في مجتمعاتنا العربية ، وكثيرا ما نسمع إن الكاتبة الفلانية لابد إنها عاشت التجربة التي تحدثت عنها في قصتها ، فالتجربة المطلوب توفرها حين الكتابة، لا تعني ان يعيشها الكاتب ، وان كان الكاتب يسعى ان ينوع شخصياته ولا يكرر نفسه ، فان القراءة والاطلاع على تجارب الآخرين، والاهتمام بأحداث العصر وحيوات الناس وآلامهم، والتعبير عن أحلامهم، يمنح الكاتب قدرة اكبر في التعبير عن شخصيات مختلفة من الناس تثير الإعجاب بكتاباته الداعية الى الثقة والتأمل ،وليس الشكوى الدائمة من معاناته الشخصية.

القاص والمتلقي

كل مبدع في شتى مجالات الإبداع فنا أم أدبا ، يحرص على أن يجد له المتلقي الواعي، الذي يتفاعل مع إبداعه ، فلا يبدع المرء لنفسه، كما يزعم بعض الشعراء والقاصين ،إنهم يعبرون لأنفسهم ، وان تناسى المبدع المتلقين أثناء الإبداع ، فانه بعد العملية الإبداعية ،يفكر في نوع المتلقي الذي ينبغي ان يطلع على نتاجه ، وبعض القراء يمتلكون الوعي لنقد ما يقرؤون ، فالقراءة الواعية كتابة ثانية للنص ، وتتنوع القراءة حسب اختلاف أصحابها وتباين ثقافاتهم ، فالعمل الواحد قد يوجد له قراءات متعددة ، وهذا لا ينفي عنه صفتي الجمال والفن ، ولكن ما هي أسباب الإبداع ؟

يجيب النقاد ان عناصر العمل الإبداعي ثلاثة : المرسل وهو المبدع والمرسل إليه وهو المتلقي والرسالة ، وهو الشروط الفنية والمعنوية التي تتوفر في العمل الإبداعي ، فكل إبداع له جانبان الشروط الفنية والشروط الموضوعية ، هناك فكرة معينة يحرص المبدع الى توصيلها للمتلقي بأحسن صورة ، فالحدث الذي يجري أمام أعيننا كل لحظة ، ولا نتوقف للتأمل فيه ، يستطيع المبدع أن يتأثر به وان ينقل تأثره إلينا ، بانتقاء الألفاظ الموحية، وطريقة رصف الكلمات في جمل ، لهذا كانت الفنون والآداب قادرة ،على توجيه الناس وتغييرهم ، وهذا لا يعني أن المبدع يجب أن يتملق الجماهير ، ويكتب لها معبرا عما تريده في اللحظة ، ويسقط في المباشرة ، فيفقد الناحية الفنية ، ولا أن يعمد إلى الغموض فيصعب على المتلقي العثور على فكرة النص او إيحائه ، ولا يتوصل إلى التأثر بالعواطف الجميلة والمشاعر الإنسانية التي يرغب القاص بتخليدها في قصته ، فلا تفيد قراءة النص في اكتساب فائدة أو التمتع بمتعة ،وهذان الغرضان من أسمى ما يسعى إليه الإنسان لتمنحه إياه الفنون والآداب...

* قاصة و كاتبة عراقية

للعـــــــــــودة للصفحة الرئيسة - العددالخامس


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق