الأربعاء، 11 أغسطس 2010

تكست - العدد الخامس - لعبة الزمن

أوراق للريح


لعبة الزمن



أ.د: مجيد حميد جاسم

الزمن كله هفوات ومع هذا فانه يضحك

من هفواتنا ياله من لص بارع كبير ..

محيي الدين إسماعيل

نعم من المنطقي إن يتفق المرء مع ما ذهب إليه الكاتب العراقي الراحل محيي الدين إسماعيل. فالزمن مليء بالهفوات زاخر بها ومع هذا فانه حين يأزف أوان السخرية فانه سرعان ما يضحك منا ويسخر من محاولتنا لتطويعه لأنه على ما يبدو قادر على أن يدير المعركة معنا . أما محاولتنا الوحيدة المتاحة لنا بإزاء ذلك كله هي أن نستثمر الوقت المتسرب أبدا في شيءــ نعتقد نحن – انه مفيد أوممتع لنا ولمجتمعنا وهو ربما لا يكون في الحقيقة كذلك ، من يدري ؟ وإلا فالزمن ماض بالتحرك الحثيث وليس ثمة من هو قادر على إيقافه أو إبطائه حتى... بالأمس فقط كنا صغارا بعد , لم نفقه من أمور الدنيا الشيء الكثير ولم تملأ رؤوسنا هواجس الحياة ولا همومها الثقيلة. كانت الدنيا مفعمة بالحياة والفرح، ملأى بالحبور وبكل ما يجلب السعادة , لم تكن مسؤولياتنا فيها تتعدى الدراسة وتحقيق طموحاتنا المتواضعة المتمثلة بالنجاح من اجل مستقبلنا نحن وإسعاد أهلنا بشكل من الإشكال . فنحن أبناء الفقراء لم نعتد إن تكون طموحاتنا اكبر من قدرة أهلنا البسطاء الكادحين الذين حرقتهم شمس النهارات اللاهية وأتعبهم أرق الليل المضني من دون علمنا وإدراكنا ,منا لسذاجتنا .. !


لم نكن نعي شيئا أكثر من ذلك , حتى هصرتنا الحياة القاسية بقبضتها الحديدية التي لا ترحم , وصفعتنا الدنيا بكفها الصلبة التي لا تلين، أذلت كبرياء نفوسنا البريئة وكسرت جبروتنا المصطنع وأخضعتنا لإرادتها الثابتة لنعرف قدر نفوسنا وحجمنا الحقيقي الضئيل جدا , فقبلنا بفجائعها مرغمين ونحن نفارق من نحب بين حين وآخر ومالنا خيار غير ذلك , حينها اكتشفنا إن كل شي ممكن وأننا ليس سوى عمالقة من ورق تهب إذا ما عصفت بها الريح في يوم فائض , وهكذا كانت معنا الأيام حين كنا صغارا تغرينا وتوهمنا بالكبر , وحين كبرنا أرتنا حقيقتنا بمدى صغرنا وضآلتنا بإزاء هذا الكون الكبير ..


وهكذا استمرت مسيرة الأيام ولعبتها حتى انقلبت النسب المئوية لمكوناتها انقلابا عجيبا , فقل فرحنا وكان فياضا بيّنا ، وزاد همنا وكان شحيحا , وتقلصت متعنا وكانت لا تعد ولا تحصى , دخل النسيان قاموس حياتنا بعد إن كان لا يجد الطريق معبدا لبوابات الذاكرة . أتعبتنا مسؤولية الحياة , وهي تنطوي على شتات متباين من المسؤوليات الصغيرة , فمن مسؤولية البيت إلى مسؤولية العمل ومسؤولية الأبناء .. ترى مع كل هذه المسؤوليات، أين تكون متعنا المتواضعة وسعادتنا الصغيرة المنفلتة من رقابة الأيام وتطلعاتنا العديدة التي رسمنا أساساتها في غابر الأيام الجميلة .. ؟




هكذا هي لعبة الزمن وتقلبات الأيام .هكذا هي منغصاتها التي لا ترحم , ترى أين يمكن أن تظفر بدقائق تستمتع بها بقراءة كتاب جميل وبكتابة اسطر قليلة أو تتأمل لوهلة؟ إننا مطاردون بمنغصات كثيرة وأناس كثر ينغصون علينا حتى دقائق راحتنا وسكينتنا . وتلحقنا الكهرباء المنقطعة دائما وثمة شحة الزمن وجدب الأيام وراءنا في كل زاوية ومنعطف, فأين أين يكمن الخلاص ؟ أنها لعبة الأيام معنا مذ وعينا وجودنا في الحياة وحتى كبرنا وغزا الشيب رؤوسنا , وغزت مآسي الحياة وانكساراتها كياناتنا المتعبة ونفوسنا المعذبة , فأين نجدك أيتها الراحة الشاردة أين..؟

للعـــودة للصفحة الرئيسة – العدد الخامس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق